• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تكليف نتنياهو مجددًا.. انتصار لليمين وإنتكاسة لخصومه!

بذل نتنياهو قصارى جهده للمطالبة بمواصلة البناء الاستيطاني وإدانة التنازلات للسلطة الفلسطينية باعتبارها خيانة، ودأب على إصدار قوانين للحفاظ على الطابع اليهودي للكيان الإسرائيلي


أنتجت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حالة من الجمود السياسي غير المسبوق، إذ لم يفز أحد بشكل مطلق ولم يخسر أحد بشكل مرير، لكن بالرغم من ذلك كان من الواضح أنها قد أدت إلى انتصارات ملموسة بالنسبة للأحزاب القومية المتطرفة، وهو ما يصب بشكل أو بآخر في مصلحة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المأزوم بسبب قضايا الفساد ضده، والذي حظى بتكليف من رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، قبل أيام قليلة، لتشكيل الحكومة المقبلة. "لقد اتخذت قراري بناء على التوصيات التي أشارت إلى فرصة أكبر لنتنياهو في تشكيل الحكومة، لم يكن قرارًا سهلًا بالنسبة لي سواء على الصعيد المعنوي أو الأخلاقي"، هكذا أعلن ريفلين تكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة، وتأكيدًا على تحفظاته على قراره، لم تتم دعوة نتنياهو إلى حفل تكليفه رسميًا كما هو معتاد عند تسمية رئيس وزراء محتمل، لكن في النهاية فقد حصل أطول زعماء إسرائيل بقاءً في سدة الحكم على فرصة أخرى، لاستمالة عدد كاف من الحلفاء لتشكيل ائتلاف حاكم، فهل سينجح نتنياهو في مهمته تلك أم ستعود إسرائيل في أغسطس القادم إلى صناديق الاقتراع مجددًا للمرة الخامسة في أقل من عامين؟

يتولى بنيامين نتنياهو السلطة منذ 2009، الآن أمامه 28 يومًا فقط منذ لحظة التكليف لإنهاء مهمته الصعبة للغاية، والمتمثلة في كسر الجمود السياسي غير المسبوق أولًا، واستمالة جناح اليمين بأكمله ثانيًا، أو بناء تحالف مع بعض معارضيه من ذوي الأغلبية البرلمانية، لكن الملاحظ بعد الانتخابات الأخيرة هو أن قاعدة نتنياهو قد أصبحت أكثر ضعفًا وتطرفًا من أي وقت مضى، فشركائه المحتملين في الائتلاف الحكومي، من أحزاب يمينية أكثر تشددًا، إلى جانب حزبه الليكود، هم حزب شاس بـ9 مقاعد، وحزب "يهودية التوراة المتحدة" بـ7 مقاعد، و"الصهيونية الدينية" بـ6 مقاعد، مع احتمالية انضمام ائتلاف "يمينا"، الحاصل على 7 مقاعد ويترأسه السياسي المتعصب نفتالي بينيت، إلى جناح نتنياهو، وبالرغم من تفكك الكتلة اليمينة نظريًا، إلا أنها الأقرب في كل الأحوال للحكم والسيطرة على الحياة السياسية في إسرائيل، فأتباع اليمين المتطرف هم الخلفاء الأيديولوجيون لمذهب الحاخام الراحل مئير كاهانا، السياسي اليميني واليهودي المتعصب، الذي بالرغم من أن حزبه لم يحقق نجاحًا رئيسيًا خلال حياته، لا تزال أيديولوجيته القومية المتطرفة تلوح بشكل كبير في المجتمع الإسرائيلي، ومن المعروف أن اليمين المتطرف يستثمر في السياسة الإسرائيلية في مظاهر العنصرية والتحريض على الكراهية، واستغلالًا لهذا الوضع؛ يتسامح نتنياهو وشركاؤه في حزب الليكود مع هذا التحريض على الكراهية ضد العرب، ويسعون من خلال ذلك إلى استمالة الأحزاب اليمينية التي تتفق ـ رغم اختلافها التكتيكي مع بعضها البعض ـ بقوة على البرنامج الأساسي للعنصرية المعادية للعرب، وتوسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحفاظ على الطابع اليهودي المتعصب للدولة الصهيونية.

خلال الدورات الانتخابية الأخيرة؛ تبنى حزب الليكود مبادئ القومية المتطرفة، خاصةً بعد أن وصف الأقلية العربية بأنها طابور خامس، كما بذل نتنياهو قصارى جهده للمطالبة بمواصلة البناء الاستيطاني وإدانة التنازلات للسلطة الفلسطينية باعتبارها خيانة، ودأب على إصدار قوانين للحفاظ على الطابع اليهودي للكيان الإسرائيلي، هذه السياسات التي مارسها الليكود وحلفاؤه تجعل إمكانية التحالف مع الجبهة الأخرى مستحيلة تماما، حتى وإن كان من المحتمل أن يستمر الجمود السياسي وعدم الاستقرار في الكيان الإسرائيلي لوقت أطول، خاصةً بعد حصول الكتلة اليمينية بزعامة نتنياهو على 52 مقعدًا، أي أقل من 61 مقعدًا (من أصل 120 مقعدا في الكنيست) للوصول إلى الحكم بأغلبية مريحة، فالمقاعد الأخرى تشغلها أحزاب قومية متطرفة وأخرى يسارية، القواسم المشركة بين هذه الأحزاب في المعسكر المناهض لنتنياهو، قليلة إلى حد ما، فقد تجمعهم الرغبة الجماعية في التخلص من نتنياهو، لكنهم يختلفون من حيث السياسة، والأيديولوجيا، وحتى العرق، وبالرغم من ذلك كان من اللافت خلال المشاورات التي أجراها ريفلين مع الأحزاب السياسية بشأن منح التفويض لتشكيل الحكومة، حصول نتنياهو على نسبة تأييد أكبر من باقي منافسيه، وهو ما أفضى إلى منحه التفويض في النهاية.

كان من الملاحظ بعد الانتخابات الأخيرة تغيّر منظور نتنياهو تجاه الأقلية العربية، فقد كانت الضرورة الاستراتيجية لرئاسة نتنياهو للوزراء، منذ توليه المنصب في التسعينيات وحتى الحكومة الأخيرة، هي الحفاظ على تقوية التحالف مع الأرثوذكس المتطرفين ونزع الشرعية عن مشاركة ممثلي الأقليات العربية في إسرائيل، هذا المشروع المتطرف امتد لعقود ومن خلاله تمكن نتنياهو من الحفاظ على زعامته لليمين، بلغ هذا المشروع ذروته في عام 2015 وكذلك في 2019، عندما أعلن أن "العرب يسرقون الانتخابات"، لكن بشخصيته البراغماتية؛ يغير نتنياهو الآن استراتيجيته، حيث حاول جذب أصوات العرب في إسرائيل إبان الانتخابات، ويجتهد الآن محاولًا تغيير وجهة نظر اليهود الإسرائيليين بإمكانية أن تكون القائمة العربية المشتركة جزءًا من تحالف محتمل، وهذا تغيير جذري في موقف استمر لسنوات على النقيض من ذلك.

من جهة أخرى؛ فإن الائتلاف المتطرف المؤيد لنتنياهو، بحاجة إلى دعم من كتل أخرى أكثر تطرفًا، وإذا انضمت إحداها إليه فسيكون ذلك لغرض وحيد وهو تمرير تشريع في الكنيست يمنع السياسيين الذين يكونون قيد المحاكمة من المشاركة في الانتخابات، وكانت هذه هي استراتيجية أفيجدرو ليبرمان الرئيسية في السابق، والتي بمجرد تحقيقها، سوف ينقض شركاء الائتلاف المتعارضون هؤلاء على بعضهم بعضا، للمطالبة بمنصب نتنياهو على رأس اليمين، ورئاسة الحكومة مستقبلًا، لكن الخصوم السياسيين لنتنياهو من المعسكر اليميني منقسمين إلى حد كبير وعداء بعضهم البعض كبير، نفتالي بينيت وجدعون ساعر وأفيجدور ليبرمان، فقد ركضوا جميعًا ضده بشكل منفصل، ولم يحتفظ أي منهم بالجوهر الذي يغري أنصار اليمين لدعمهم، وبالتالي لا أحد منهم فاز في نهاية المطاف بتمثيل الكنيست باستثناء الشخصيات الفردية، وبالرغم من أن الأحزاب المناهضة لنتنياهو تمتلك جميع مقاعد الكنيست التي تحتاجها والمزيد للإطاحة به، لكن سيتعين عليها تنحية الطموحات الشخصية والاختلافات الأيديولوجية الأساسية جانبًا للقيام بذلك، وسيتعين عليهم جميعًا الاتفاق والعمل في انسجام، مع الاعتقاد بأن إسرائيل ستكون في وضع أفضل بدون نتنياهو، وأنه يضر بمصالحها أكثر من نفعه لها.

الآن كل ما يأمل نتنياهو في حدوثه هو ألا يتكرر ما حدث بعد ثلاثة انتخابات سابقة، فتشكيل ائتلاف هش ومهتز وقصير الأمد يعدّ ضربًا من ضروب الفشل السياسي أيضا، نتنياهو وحده هو من سيستفيد من هذا الوضع، إذ في اللحظات التي حظى فيها نتنياهو بتكليفه لتشكيل الحكومة، كان يَمّثُل مجددًا أمام المحكمة، لمواجهة ثلاث تهم منفصلة تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وهى قضايا تهدد مستقبل حياته السياسية، ونجاحه في البقاء في السلطة هو طوق النجاة الوحيد للهروب من قائمة مشاكله المتزايدة باستمرار، خاصةً وأنه يجيد استخدام نفوذه الشخصي وذكائه السياسي لتلبية احتياجاته القانونية.

في عام 2008، عندما كان إيهود أولمرت رئيسًا للوزراء ويخضع لتحقيقات الشرطة، دعاه نتنياهو إلى الاستقالة، كانت هذه المطالبة قبل أن تنتهي الشرطة من تحقيقاتها، وحتى قبل أن يوصوا بإدانة أولمرت أو تقديم لائحة الاتهام في المحكمة، لكن نتنياهو كان مُصرّا على موقفه، قال حينها: "رئيس الوزراء ليس لديه تفويض أخلاقي أو عام لتحديد القضايا المصيرية لدولة إسرائيل"، لم يمض وقت طويل حتى بات نتنياهو في موضع أولمرت تماما، لكن ما نسي نتنياهو أن يضيفه هو أن ما قاله آنذاك زعم أنه ينطبق فقط على أولمرت، وليس على نفسه، لذلك اليوم.. وبعد انتهاء التحقيقات مع نتنياهو، وبعد أن أوصت الشرطة بتوجيه الاتهام إليه، وبعد تقديم لائحة الاتهام إلى المحكمة، وحتى بعد بدء محاكمته، يبدو أنه لا يزال لديه "التفويض الأخلاقي والعام" للبقاء في المنصب.

 

أعلى