التضامن الأمريكي مع النظام السياسي في الأردن يؤكد أن ماجرى لا يتعلق بالدور السياسي للاردن في المنطقة بل في سياق النزاع الإقليمي المتفاقم
لا يزال الأردن يبحر في مياه ضحلة محاولاً النجاة، فقد خرج في العقدين الآخيرين من
أزمات كبيرة منها الحرب العراقية والأزمة السورية وتقلب المزاج السياسي والتوتر
الذي ضرب جيرانه في الخليج، وكذلك أزمة صفقة القرن التي حاولت تنحيته عن دوره في
إدارة المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى وليس آخر تبعاتها بمنع ولي العهد الحسين
بن عبد الله الثاني من أداء الصلاة في المسجد الأقصى من قبل الحكومة الصهيونية، تبع
تلك الخطوة منع طائرة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، من عبور الأجواء الأردنية إلى
الإمارات العربية. قد تبرر صلابة الموقف الأردني في هذه الأزمات، وهو الإعتبار
المهم الذي جسدته مؤخراً إتفاقية الدفاع بين الأردن والولايات المتحدة، والشراكة
الأمنية الإستراتيجية بين الطرفين، فقد ساهمت الأردن بدور فعال في التعاون
الإستخباري مع واشنطن في الحرب العراقية وكذلك في محاربة "داعش" في سوريا، وتقوم
بدور سياسي بارز في الملف الفلسطيني لاسيما محاولة الدولة العبرية ضم غور الأردن
إلى سيادتها، لكن رغم الدور السياسي الخارجي الذي برعت فيه وعززته مؤخراً بتدشين
تحالف إقتصادي ضخم يضم مصر والعراق إلا أن هذا البلد الصغير الذي يعيش على موارد
شحيحة أبرزها الضرائب والمساعدات الأمريكية، يعاني على المستوى الداخلي من أزمات
بالغة الخطورة أبرزها الملف الاقتصادي الذي ينذر بمستقبل سياسي سيء، فقد سجل معدل
البطالة هذا العام 21%، وعلى الصعيد السياسي خاضت الدولة الأردنية معركة شرسة مع
جبهة العمل الإسلامي أقوى كتل المعارضة السياسية في البلاد والتي بدورها تحاول
إستخدام النقابات المهنية في هذه المعركة بعد قيام الدولة بحل الجبهة، لكن المواجهة
أخذت بعداً آخر بعد قيام القضاء الأردني بحل نقابة المعلمين وسجن عدد من أعضائها
بسبب إحتجاجات نظمتها على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
رابطة الثقة الضعيفة بين نسبة كبيرة من المواطنين والدولة وعدم وجود مايدعو للتفاؤل
في المستقبل القريب جعل مئات الآلاف من الأردنيين يبحثون عن خيارات أخرى مثل الحصول
على عقود عمل في الخليج العربي والإستثمار في تركيا، وبخلاف ضعف الثقة بين
المواطنين والدولة التي يرون أن أجهزتها بعيدة عن المسائلة والمحاسبة، فإن الدين
يبقى مادة لصيقة بالتطورات التي تحدث في هذا البلد الذي يعيش أزمة تنوع ديمغرافي
بسبب إستضافة 750 ألف لاجئ، فالهوية الدينية التي أصبغ النظام السياسي نفسه فيها
وإعتماده الكبير على الولاءات العشائرية والقبلية يدفع النخبة السياسية الأردنية
للطمئنان على الاستقرار السياسي في البلاد، رغم وجود أصوات تنادي بأهمية وجود إصلاح
سياسي يقلل الفجوة بين الدولة والمواطن.
لكن ما لايمكن تفادي تداعياته هو ما جرى الكشف عنه هذا الأسبوع بشأن محاولة
الإنقلاب التي تمكن الديون الملكي الأردني من تفاديها، عقب فرض الإقامة الجبرية على
ولي العهد السابق، الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبد الثاني، الذي
إتهمته السلطات بتدمير محاولة إنقلاب مع 20 آخرين بدعم من أطراف خارجية. صحيفة
"إسرائيل هيوم" العبرية نقلت عن مصادر إسرائيلية بأن السلطات الأردنية أرسلت رسالة
فورية للحكومة الإسرائيلية مفادها أن " الوضع تحت السيطرة".
مسؤول أمريكي سابق مطلع على الأحداث في الأردن، شدد على أن المتورطين في هذه
المحاولة كانوا يحاولون تهييج الشارع للقيام بــ" إنتفاضة شعبية"، بدعم قبلي، وهذا
الأمر فسره إعتقال شخصيات بارزة من عشيرة المجالي. الأمير حمزة الذي تم تجريده من
اللقب عام 2004 لعدم أهليته للحكم خرج في فيديو مصور وأشار إلى فرض الإقامة الجبرية
عليه في مقر إقامته، ومنعه من التواصل مع العالم الخارجي، ورغم مصادمته الدائمة مع
النظام الحاكم إلا أنه قريب جداً من شيوخ العشائر الأردنية. و
وكالة الأنباء الأردنية أشارت إلى إعتقال الشريف حسن بن زيد، أحد أفراد العائلة
المالكة وباسم عوض الله، الرئيس السابق للديوان الملكي، وهو رجل أعمال ثري جداً
ولديه علاقة جيدة بالإسرائيليين، ولا تزال السلطات الأردنية تتكتم على الشخصيات
التي تم إعتقالها لكن الأمر يدور حول الدائرة المحيطة بالأمير حمزة. وتعقيباً على
ماجرى صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس قائلا" نحن نتابع
التقارير الواردة من الأردن ونتواصل مع المسؤولين الأردنيين، الملك عبد الله شريك
رئيسي للولايات المتحدة، وهو يحظى بدعمنا الكامل". التضامن الأمريكي مع النظام
السياسي في الأردن يؤكد أن ماجرى لا يتعلق بالدور السياسي للاردن في المنطقة بل في
سياق النزاع الإقليمي المتفاقم، وتوطئة لمرحلة لاحقة قد تتكشف ملامحها في المستقبل
القريب.