ستذهب الإدارة الأمريكية لفرض الحل النهائي وفقاً لاتفاقات "اولمرت-عباس" دون الرجوع إلى صفقة القرن لكنها لن تتخلى عن أي مكتسبات حققتها للدولة العبرية لاسيما فيما يتعلق بالتطبيع، لذلك تحتاج السلطة الفلسطينية الانتخابات لتجديد شرعيتها وتحتاجها حركة حماس
انطلق مارثون فلسطيني جديد منذ يناير المنصرم، إذ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس
مرسوماً رئاسياً يقضي بتنظيم دورة جديدة من الانتخابات البلدية والتشريعية
والرئاسية بعد التوافق مع الفصائل الفلسطينية وأبرزها حركة حماس التي تعد الطرف
الآخر في الانقسام الفلسطيني المتواصل منذ عام 2007. تأتي الخطوة الفلسطينية
بالتزامن مع تغير الإدارة الأمريكية الجديدة التي أرسلت رسائل واضحة تتعلق بتجاهل
بعض القرارات التي أصدرها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مثل وقف المساعدات
المالية للفلسطينيين وكذلك فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ولا شك أن
تلك الرسائل الأمريكية متعلقة بالأزمة الدبلوماسية بين إدارة الحزب الديمقراطي
الأمريكي في عهد باراك أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو، وقد تتواصل في عهد الرئيس
الحالي جو بايدن إذ رفض في خطاباته منذ توليه الرئاسة للتطرق للدولة العبرية حتى
أصبحت الصحافة الإسرائيلية تسخر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يشعر بتجاهل
كبير من قبل الدبلوماسية الأمريكية الحالية، فعلاقة بايدن مع دولة الاحتلال
الإسرائيلي مرتبطة بدعم اللوبي اليهودي الذي تمثله "آيباك" في الولايات المتحدة
وليس بعلاقته ببنيامين نتنياهو الذي بدأ الاسبوع الماضي أولى جلسات التحقيق معه على
خلفية حقيبة ممتلئة من ملفات الفساد، ولا يمكن هنا تجاهل الوضوح في موقف الحزب
الديمقراطي الأمريكي الذي يتبنى وجهة نظر سياسية تدعم حل الدولتين باستثناء تجاهل
ملف القدس المحتلة في هذا الأمر إذ رفضت إدارة بايدن إلغاء القرار الذي اتخذه ترامب
في عهده بنقل السفارة الأمريكية إليها باعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
لذلك نجد أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة حماس وافقا على الذهاب إلى
الانتخابات ليس بحسن نية لإصلاح البيت الفلسطيني من الداخل بل استعدادا لسياسية
أمريكية قادمة ولتشكيل خارطة سياسية فلسطينية تمنح نفسها شرعية شعبوية لتمثيل الملف
الفلسطيني أمام الضغوط الأمريكية، فقد تمنع الإدارة الأمريكية الوساطة القطرية من
إيصال الدعم الشهري لحركة حماس في قطاع غزة وبالفعل فقد تعرضت حماس لتهديدات من هذا
النوع من قبل السفير القطري محمد العمادي، وقد تدفع الإدارة الأمريكية بالمنشق عن
حركة فتح محمد دحلان إلى قيادة السلطة الفلسطينية في حال فشل عباس في العودة إلى
طاولة المفاوضات مع الدولة العبرية، كذلك فإن الانشقاقات التي تعيشها حركة فتح
حالياً والتي تجسدت بوجود أجنحة مختلفة مثل جناح مروان البرغوثي وناصر القدوة ونبيل
عمر ودحلان قد تؤدي إلى إعدام الحركة سياسياً في حال رحيل محمود عباس وبالتالي
سينعكس ذلك سلباً على التمثيل السياسي الفلسطيني أمام العالم وفقدان الضامن الشرعي
لاتفاقية "أوسلو" التي تمثل حلقة أمان كبيرة للاحتلال في الضفة المحتلة.
لذلك حينما استضافت القاهرة الأسبوع المنصرم 14 فصيلاً فلسطينياً تصدر إلى المشهد
وجوه إعتاد عليها الشارع الفلسطيني منذ 20 عاماً والكثير منها ليس سوى دعامات
لسياسيات منظمة التحرير وحماس وفسر المشهد بالنسبة للشعب الفلسطيني على أنه مجرد
مسرحية ضمن المسرحيات السياسية التي تمارسها الفصائل منذ عقود، فلم يصدر في البيان
التفصيلي أي تفاهمات بشأن الملفات الداخلية بعد عقد ونصف من الانقسام، بل ذهب
الجميع تفصيل بنود نظام انتخابي هدفه فقط قطع الطريق على أي حراك من المستقلين
ووضعت شروط تعجيزية صعبة للراغبين بالترشح في الانتخابات أبرزها أن يكون التمثيل من
خلال قوائم انتخابية مع ضمانات مالية ضخمة كما طالبت بعض الأحزاب المشاركة بخفض
نسبة الحسم من 1.5% إلى 1% لإدراكها جيداً أنها لن تستطيع أن تصل لهذه النسبة
ولإدراكها أن شعبيتها في الشارع الفلسطيني أصبحت سيئة جداً بما في ذلك الفصائل
الكبرى التي أصبحت مجرد عوالق سياسية تتغذى على أموال الشعب الفلسطيني دون تأثير في
المشهد.
ستذهب الإدارة الأمريكية لفرض الحل النهائي وفقاً لاتفاقات "اولمرت-عباس" دون
الرجوع إلى صفقة القرن لكنها لن تتخلى عن أي مكتسبات حققتها للدولة العبرية لاسيما
فيما يتعلق بالتطبيع، لذلك تحتاج السلطة الفلسطينية الانتخابات لتجديد شرعيتها
وتحتاجها حركة حماس للحفاظ على استمراريتها فقد خسرت الكثير من شعبيتها بسبب
أزماتها الداخلية التي ظهرت بتأجيلها انتخاباتها الداخلية أكثر من مرة وتنظيم
الآلاف من موظفيها حملات متواصلة على صفحات التواصل الاجتماعي للمطالبة بحقوقهم
المالية المتراكمة، لذلك هي تدرك بأنها إن لم تنصاع للضغوط المصرية القطرية وتلحق
بركب الانتخابات فإنها ستخسر الدعم المالي وتتعرض لضغط جديد من الجانب المصري أقله
ضرراً إغلاق معبر رفح، لذلك دفعت الحركة بالكثير من قياداتها إلى الخارج وأصبحت
أغلب وفودها التمثيلية تأتي من تركيا وقطر وليس من قطاع غزة، حتى أن تسريبات خرجت
من قيادة محسوبة على الحركة في الضفة المحتلة تطالب بفصل تمثيل الحركة السياسي في
الضفة عن غزة.
أما بالنسبة لحركة فتح فقد أظهرت زيارة وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ إلى سجن
هداريم للقاء القيادي في الحركة المسجون منذ سنوات في سجون الاحتلال، مروان
البرغوثي، أن الرئيس محمود عباس بحاجة لدعم البرغوثي لتخطي الانقسام داخل الحركة
والتصدي لجهود محمد دحلان الساعية لإضعاف شرعية عباس بين الأطر التنظيمية
الفتحاوية، ورغم فشل هذه المحاولة حالياً فإنه لا يستبعد أن يعلن البرغوثي ترشحه
للرئاسة لمنافسة عباس بسبب تركه طوال هذه الفترة داخل السجون الإسرائيلية دون
الإفراج عنه وإهمال ملفه، لكن هل تسمح "إسرائيل" بذلك؟! هذا السؤال بحاجة لفهم
الفكر السياسي لمروان البرغوثي الذي دائماً ما وصف بأنه "عرفاتي" الهوى لكنه لا
يمانع حل الدولتين وسيبقى من وجهة نظري صمام أمان لأي حراك قد يؤدي لانهيار السلطة
الفلسطينية مالم تنجح الدولة العبرية في إيجاد بديل عن عباس يبقى على شرعية السلطة
أمام المجتمع الدولي. لذلك يمكن القول إن الانتخابات الفلسطينية المقبلة مجرد
مسرحية سياسية لا يرجى منها تغييرات على أرض الواقع باستثناء تحقيق طرفي الخلاف
مصالح آنية تتعلق بإرضاء القوى الإقليمية والدولية وتجديد شرعية كلاً منهما أمام
تلك الأطراف، أما على الصعيد الشعبي فإنني لا أبالغ إن قلت إن تلك القوى لم تعد
تمتلك أي رصيد شعبي بل هي حالة سياسية فرضت على الشعب الفلسطيني قهراً وجبراً وأريد
استمرار تمثيلها له لتغييب حالة المقاومة الشعبية واستمرار الوصاية الدولية
والعربية على مشروع الكفاح الفلسطيني.