مستقبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
"مشهد تخلي الجنود الأمريكيين عن منشآتهم ومعداتهم سيبث في جميع أنحاء العالم على أنه رمز لإذلال وهزيمة الأمريكيين وانتصار الإسلاميين"
هذا تصريح لزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي السناتور ميتش ماكونيل في مداخلة الأسبوع الماضي في الكونجرس وحذر فيها: من أن انسحابا عسكريا أمريكيا متسرعا سيُسعد أولئك الذين يتمنون لنا الأذى.
وقبله بأيام وفي نفس هذا الاتجاه، قال أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ: أن ثمن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يمكن أن يكون باهظا جدا.
فما هو هذا الثمن الباهظ الذي ستدفعه الولايات المتحدة الأمريكية إن أقدمت على انسحاب كامل من أفغانستان؟ وهل ستدفعه أمريكا أم ستتراجع عن الانسحاب ومن ثم دفع هذا الثمن الباهظ؟
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وعد مراراً بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها، عندما أكد عزمه على خفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 2500 جندي في مطلع 2021، وكتب ترامب في تغريدة على تويتر منذ حوالي شهر: علينا أن نعيد العدد الصغير المتبقي من رجالنا ونسائنا الشجعان، الذين ما زالوا يخدمون في أفغانستان إلى الوطن بحلول عيد الميلاد، وتحدث في إحدى المرات عن رغبته بعودة كل الجنود من هذا البلد بحلول عيد الميلاد في 25 ديسمبر القادم، بل إن ترامب طالما اعتبر أن هذا الانسحاب هو أكبر إنجازاته على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية.
ووفقا لوسائل إعلام أمريكية فقد تلقى البنتاغون تعليمات للتحضير لسحب ألفي جندي من أفغانستان و500 جندي من العراق، قبل أن يسلم ترامب السلطة إلى خلفه الديمقراطي جو بايدن في 20 يناير القادم، في خطوة ستعني في حال حصولها أن الولايات المتّحدة ستبقي على كتيبة عسكرية واحدة في كل من هذين البلدين قوامها حوالي 2500 جندي، ولم تؤكد وزارة الدفاع الأمريكية صحة هذه التقارير الإعلامية التي أشارت إلى أن ترامب قد يعلن بنفسه عن هذا القرار خلال الأيام القادمة.
خسائر أمريكا بسبب الانسحاب
يمكن اعتبار الخسائر كما يراها فريق في النخبة الأمريكية السياسية هي كما يلي:
1. أن هذا الانسحاب ستعتبره الجماعات الإسلامية المتطرفة نصرا لها.
2. سيؤدي إلى صعود التنظيمات المتطرفة كتنظيم الدولة والطالبان والقاعدة ليس في أفغانستان فقط بل في العراق وسوريا أيضا.
3. سيتم اعتباره تخلي عن حلفاء أمريكا كالحكومة الأفغانية.
وفي هذا الصدد وجه زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي السناتور ميتش ماكونيل تحذيرا إلى حليفه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، دعا ماكونيل فيه إلى عدم التسرع في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان أو العراق، معتبرا أن من شأن مثل هذا الإجراء أن يهدي الحركات الإٍسلامية المتطرفة نصرا دعائيا عظيما، وقال ماكونيل في خطاب في مجلس الشيوخ إن عواقب انسحاب أمريكي سابق لأوانه قد تكون أسوأ حتى من انسحاب أوباما من العراق في 2011، والذي أدى إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف أن مثل هكذا انسحاب سيمثل تخليا من جانب الولايات المتحدة عن حلفائها وسيفسح المجال أمام حركة طالبان لبسط نفوذها في أفغانستان وسيتيح لتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة بإعادة تجميع صفوفهما في العراق.
وحتى وزير الدفاع الأمريكي الذي اقاله ترامب مارك إسبر، كان قد شدد قبل اقالته من جانب ترامب الأسبوع الماضي على ضرورة بقاء 4500 جندي أمريكي على الأقل في أفغانستان إلى أن تبرهن حركة طالبان على أرض الواقع أنها خفضت من وتيرة العنف، ويرجح بعض المحللين أن تلك التصريحات كانت السبب في اقالته.
بينما يقول موقع بلومبرغ الأمريكي، أن الطريقة الأفضل من أجل تقليص فرص الانجرار مجددا في صراعات كهذه، هي من خلال إبقاء بعض القوات في مواقعها وتحديد وعقلنة مهمتها.
ويرى المحلل السياسي الأمريكي روث دوساس، أن هناك مفارقة كئيبة في الدور الأميركي داخل أفغانستان، وهي أن احتمالات بقائنا -أي بقاء القوات الأمريكية- في أفغانستان هناك لأجل غير مسمى أفضل وذلك لثلاثة اعتبارات: أولا ذكرى هجمات 11 من سبتمبر التي تجعل أي رئيس لأميركا كارها لأن تعود حركة طالبان إلى كابل في عهده، ثانيا استمرار وجود قيادة تنظيم القاعدة في الجبهة الشمالية الغربية داخل باكستان، وهو ما يجعل من الصعب على أي رئيس أميركي التفكير في ترك قاعدة لعمليات مكافحة الإرهاب يمكن أن تتحملها أفغانستان، ثالثا التقلب داخل المنطقة، فهي أكثر منطقة يحتمل أن يتحول فيها كابوس الإرهابيين المسلحين بأسلحة نووية إلى واقع، ولذا لا يمكن لرئيس أميركي أن يتحمل إفساد ميزان القوة عن طريق الانسحاب وترك فراغ أمني خلفه.
مستقبل الانسحاب الأمريكي
وبعيدا عن ما تراه النخبة الأمريكية، فإن الوجود العسكري الاميركي في كل من العراق وأفغانستان قد تراجع بشكل كبير من 170 الف جندي خلال فترة الذروة في العراق، الى 5200 حاليا، والى 8600 في افغانستان من 100 الف جندي.
والى جانب قوات تابعة لحلف الأطلسي ودول حليفة أخرى فإن القوات الاميركية الباقية، تنفذ الأهداف الأمريكية بأقل التكاليف الممكنة، ففي أفغانستان تقوم بتدريب ومساندة القوات الافغانية الضعيفة، وجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات عسكرية محددة لمكافحة الإرهاب.
ولكن هناك دائما خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في التعامل مع ملف طالبان:
فالديمقراطيون قد ظهرت استراتيجيتهم في التعامل مع طالبان طوال حقبة أوباما والتي امتدت زهاء ثمان سنوات والتي تتلخص فيما يلي: المزج بين الورطة الأفغانية والباكستانية في خطة واحدة، وأصل هذا الموضوع أن السياسيين في الولايات المتحدة خلصوا بعد ما يقرب من ثمان سنوات من تورط في المستنقع الأفغاني، أن خروجهم من هذه الحرب لن يمكن إلا عن طريق باكستان، لذلك ظل الجدل محتدما داخل إدارة بوش ومن بعدها إدارة أوباما حول أولويات العمل من أفغانستان أم من باكستان هل نسميها أف باك أم باك أف؟ أي ان الهدف الأمريكي تركز في اجبار النظام الباكستاني على التعاون في الحرب على الجماعات الجهادية وتفكيك تلك الجماعات، ومن بينها طالبان وفق الشروط الأمريكية.
ولم يغير ترامب في هذا النهج إلا أنه بدلا من اعتماده على باكستان في انهاء حركة طالبان والتي كان يريدها أوباما وإدارته وفشلوا في ذلك، رأى فريق ترامب أنه يمكن الاعتماد على باكستان في تهذيب طالبان وابعادها عن القاعدة وغيرها من الجهاديين، حتى ولو سيطرت على أفغانستان فيما بعد، فسيطرة طالبان على أفغانستان سينهي أي فراغ أمني ناتج عن انسحاب أمريكي واذا أخلت طالبان بتلك الشروط، فإن باكستان وطالبان سوف تعاقبان من جانب حاملات الطائرات الأمريكية في المحيط الهندي، أو من جانب الايعاز للهند العدو التاريخي لباكستان.
لذلك يحرص ترامب على تطبيق استراتيجيته قبل الانتهاء من ولايته والوصول بها إلى أقصى مدى ليتم تسجيلها على أنها أكبر نجاحاته وانجازاته، لتكون رصيد له في الانتخابات القادمة عام 2024 والتي يستعد لها ترامب منذ الآن.
وفي الغالب إذا جاء بايدن ورأى أن أغلب القوات الأمريكية قد تم سحبها من أفغانستان فإنه لن يعيدها مرة أخرى، وسيجد صعوبة في ذلك، وعندها سيتركز عمله في الضغط على طالبان وباكستان لكي يتم تنفيذ الاتفاق والتعهدات التي أبرموها مع ترامب، ومراقبة عدم تواجد جهادي في هذه المناطق مرة أخرى يهدد الأمن القومي الأمريكي.