• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانتخابات الأمريكية وصراع الهوية

الانتخابات الأمريكية وصراع الهوية


"الانتخابات المقبلة ليست مجرد انتخابات إنها معركة على روح أمريكا"

هذا ما قالته كيمبرلي غيلفويل صديقة نجل ترمب خلال المؤتمر الانتخابي للحزبي الجمهوري، اللي تم عقده بعد دقائق من تسمية دونالد ترمب رسميا مرشحا لولاية رئاسية ثانية، ولعلها تقصد بقولها هذا على الانتخابات، أن نتيجتها ستحدد شكل وطبيعة أمريكا المستقبلية.

أمريكا في أزمة حقيقية والانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو التجديد النصفي للكونجرس أصبحت تشكل مفترق طرق حقيقي، والصراع ليس مجرد منافسة انتخابية بين ترامب وبايدن، أو منافسة بين الجمهوريين والديموقراطيين، بل هو كما حذر منه المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون قبل عشر سنوات أن أمريكا ستواجه "أزمة هوية".

ولكن كيف تواجه أمريكا أزمة هوية؟

خلال العشرين سنة الماضية تفاعلت بل تضاعفت مشكلة الأقليات العرقية والدينية داخل أمريكا:

فالأعراق الأمريكية تتكون من من 69% من البيض، 12% لاتينيين أسبان، 12% من السود، 4% من الآسيويين، و3% من جنسيات أخرى. ودينيا مكونة من 63% بروتستانت، و23% من الكاثوليك، و8% من الديانات الأخرى، و6% لا يدينون بدين.

كانت الولايات المتحدة دائما تردد وتبرز في آلة اعلامها الضخمة، أنها تحترم التنوع في الأعراق والثقافات والديانات، ولكن الواقع مختلف بدرجة كبيرة خلاف ما تقوله وتروج له وسائل الاعلام تلك، حيث لا يزال كثيرا من البيض ينظرون إلى السود باعتبارهم عبيدا، وينظرون إلى المهاجرين من مختلف الأعراق على أنهم دخلاء سيغيرون الهوية والتركيبة (الأنجلوـ سكسونية)،

ولم يعد التفرقة والعنصرية تجاه غير الأصول البيضاء البروتستانتية تقتصر على رجل أعمال هنا أو هناك يرفض توظيف غير الجنس الأبيض بل تعدته ليكون التمييز مؤسسيا أي أنه تم انشاء منظمات وجماعات مهمتها الدفاع عن العنصرية بشتى الوسائل بما فيها استخدام السلاح، فهناك تنظيمات عنصرية كمنظمة كا كا كا والنازيون الجدد ومنظمة حليقو الرؤوس والقوميون البيض، وكلها جماعات تحض على الكراهية لكن بحسب الواقع لها فروع بالمئات وأنصار بالآلاف ومؤيدين – ولو صامتين – بالملايين.

إن العنصرية البيضاء التي دمرت العالم وظلمت البلدان والشعوب عادت لتهز الولايات المتحدة وتقسم مجتمعها بل أنها قد تدفعه إلى التفكك والانحلال بشكل مختلف عما حدث في الماضي.

ونظرا لتعقد هذه المشكلة فقد اختلفت النخب السياسية الأمريكية في التعاطي مع هذه القضية:

فالديمقراطيون يقولون إنه يجب ترك الأمور تسير كما هي مع فتح البلاد والرهان على أن الجميع سينصهرون في البوتقة الأمريكية، ولكن بعض قادة الديمقراطيين يتخذون موضوع مكافحة العنصرية كأداة سياسية مبررة لهجوم المعسكر الليبرالي بقيادة المؤسسة البيضاء في الحزب الديمقراطي، على معارضيه من المعسكر المحافظ، وفي هذا الصراع نرى أن المكون الإفريقي في أمريكا بغالبيته حليف للحزب الديمقراطي، ووصل الأمر من جانب الديمقراطيين، الترويج و العمل على نشر مقاطع الفيديو، يعتذر فيها الليبراليون البيض راكعين أمام السود بل ويقبّلون أحذيتهم.

بينما يرى الجمهوريون أن هذا الطريق سيؤدي إلى انقسام مجتمعي لا يمكن تداركه، وسيقود في النهاية لتقسيم أمريكا نفسها (هنتنجتون أبرز منظريهم).

ويحاول ترامب أن يظهر بمظهر وسطا ولكنه في حقيقته يميل للعنصرية وتفوق الجنس الأبيض، وبدا ذلك واضحا في موقفه من صدام العنصريين البيض في القضية التي تعرف باسم شارلوتسفيل، والتي وقعت في أغسطس2017  بين المحتجين البيض على نقل تمثال لأحد رموز دعاة بقاء العبودية في الحرب الأهلية الأمريكية من مكانه، وبين المحتجين عليهم من المطالبين بهذه الإزاحة من المنددين بالعنصرية، فأتى موقف دونالد ترامب الذي لم يكن مضى عام على انتخابه مستنكرا تطرف الجانبين، ومعتبراً ان هناك عناصر جيدة في كل طرف، فهو انحاز إلى البيض بطريقة ملتوية، وتكرر الأمر نفسه الأمر نفسه هذا العام مع الاحتجاجات التي عصفت بطول وعرض الولايات المتحدة منذ انتشار شريط اختناق الأمريكي الأسود جورج فلويد، وهو يئن استرحاما، لجلاده الشرطي الأبيض، بأنه ما عاد باستطاعته التنفس، فكرر ترامب مرة جديدة الموقف الوسطي الذي يدعو فيه الى التعقل.

ولكن الواقع الأمريكي يقول: إن العنصرية أصبحت تعبر عن نفسها كمنظمات لها قدرة على حشد الناس، وهو ما جعل بعض الساسة يطلبون ودهم لاسيما وأن هذه الجماعات أصبح لها ظهير متدين من اليمين المتطرف الذي صعد لقمة هرم الحياة السياسية في أمريكا منذ بداية تسعينات القرن الماضي، ليشكلوا مجتمعين كتلة تصويتية كبيرة لا يمكن إغفالها، وهو ما لعب عليه الرئيس ترمب في ترشحه للرئاسة، فخطاب ترامب الانتخابي المناهض للأجانب والمسلمين وغير البيض استقطب ملايين الأصوات التي تحمل في فكرة تفوق العرق الأبيض.

في تقرير لصحيفة فانيتي فير الأمريكية، تنقل الكاتبة بيس ليفين عن غريغوري تشيدل وهو أمريكي من أصول إفريقية، أنه وفي تجمع حاشد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يونيو 2016، كنت أقف وسط الآلاف من مؤيدي ترامب وترك الجميع وأشار إلي قائلا: انظروا إلى ذلك الأمريكي من أصل أفريقي هنا...انظروا إليه، ووجه خطابه لي قائلا: هل أنت الأعظم؟ لقد كانت عنصرية مغلفة، لقد كان ترامب يريد أن يرضي البيض على حسابي.

ويلعب الدين دورا هاما في عنصرية البيض فليست المسألة أو الصراع هو قضية عنصرية خالصة بل تمتزج فيها المسيحية مع القومية البيضاء، فترامب الذي تلعثم حين سئل عن أحب آيات الإنجيل إلى قلبه إبان ترشحه للرئاسة، ذهب إلى كنيسة القديس يوحنا في واشنطن ابان أزمة مقتل فلويد رغم الغضب العارم الذي يجتاح السود الأمريكيين ورفع الإنجيل، فما كان من المسلمين السود إلا أن يخطب فيهم لويس فرخان في جمع غفير قائلا: (يا سيد ترامب يمكن أن تأتي وتحضر جيشك.. فهؤلاء الناس ليسوا مستضعفين والإله الذي نعبده سيخوض معنا معاركنا).  

ولكن الأخطر ما هو مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية في ضوء هذا الصراع الهوياتي؟

تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة الشباب الملونين ستصل بحلول سنة 2035 إلى 55 في المائة من مجموع الشباب الأمريكي...وهذا يؤشر على أن قضية العنصرية ستتصاعد إن لم يجد الساسة الأمريكيون حلا لها.

ويتوقع أحد المفكرين أنه عندما ترتفع حدة التمرد المجتمعي داخل الولايات المتحدة فإنهم سينشئون مراكز التعذيب ومعسكرات الاعتقال على أراضيهم، مثلما فعلوا في العراق وأفغانستان وأبو غريب وغوانتانامو وقاعدة بغرام الجوية والسجون السرية، التي نشروها في عشرات الدول حول العالم وسفن الاعتقال التي أبحروا على متنها في المحيطات.

ومن ناحية أخرى يحذر صموئيل هتنتجتون في كتابه من نحن: من تفكك سيحل بالولايات المتحدة الأمريكية مع عام 2025م، بادئاً من كاليفورنيا على غرار سيناريو تفكك الاتحاد السوفيتي، وكأن تحذيراته إذا لم تؤخذ مأخذ الجد، فإن كاليفورنيا ستعود إلى المكسيكيين، وسيحكم الكوبيون ميامي وفلوريدا، وستصير ميتشجان مسلمة.

ويعزز رؤية هتنتجتون ما يقوله المحلل السياسي الألماني المتخصص في الشأن الأمريكي كريستيان هاكه: "عندما تشاهدون جو بايدن (المرشح الديمقراطي) في التلفزة، فإنه يبدو عجوزا ومكبلا في قبوه، ويشعر المرء تقريبا بأنه لا يقدر على شيء فكريا، وفي النقيض يوجد الرئيس ترامب الذي يصعد الأزمة بتعصبه الأعمى... رئيس أمريكي لا يوحد، بل يقسم البلاد منذ توليه السلطة ويكذب ويناشد الغرائز.... والاغتيال والاضطرابات تسرع تحول الحلم الأمريكي إلى كابوس أمريكي.

وهذا ما يدفع هاكه للقول: "أمريكا تتفكك".

 

أعلى