• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أيها الدعاة رمضان لكم قبل غيركم !

أيها الدعاة رمضان لكم قبل غيركم !

يمر بنا رمضان كل عام ، فلا يجد فيه كثير من الدعاة والمصلحين المعين الذي يجدد الإيمان في قلوبهم ويعينهم على مواصلة ما نذروا أنفسهم للقيام به من دعوة وإرشاد وتربية للناس على مفاهيم هذا الدين ، وتعليمهم ما يحتاجون إليه في أمر دينهم .

إن رمضان الذي مرَّ على الأمة سابقاً ، وأثّرَ فيها تأثيراً عميقاً ولا نجد له مثيلاً في حياتنا هو رمضان نفسه .

والقرآن الذي تلاه سلفنا الصالح وحرّك كوامن الإيمان في قلوبهم وملأها بالخوف والخشية هو القرآن الذي نقلبه بين أيدينا في عصرنا هذا ، فلماذا تغيرت أحوالنا عن أحوالهم ؟ وما هو الخلل الذي حدث في حياتنا ؟إننا حين نقف مع هذه الظاهرة الخطيرة في نفوس الدعاة والمصلحين نلحظ الأسباب التالية :

أولاً : خطأ كثير من الدعاة في تغليب الاهتمام بالآخرين على حساب الاهتمام بالنفس ، والفهم الخاطئ للنصوص التي جاءت مرغبة للخير في هذا الشهر .

ومن تلك النصوص :

1 - « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان »[1] ؛ حيث يفهم الكثير من هذا النص أن من أنواع الجود التي يمكن أن يقدمها الداعية الجود بالوقت في تعليم الناس وتوجيههم ، والتفرغ لهم « كما هو معروف من أنواع الجود المختلفة » .

وهذا فهم فيه شيءٌ من الصحة ، ولكن لا يعني بالضرورة الجود بالوقت كله للآخرين وإهمال النفس ؛ لأن النفس الجزء الأكبر من الجود بشغلها بالطاعات والقربات لتطهر ولتتزكى ، وخصوصاً أنها هي مصدر الجود الذي يراد بذله للآخرين .

ومن هذه النصوص :

2 - « إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين »[2] .

حيث يفهم بعضنا من هذا النص أن نفوس الناس يحصل لها من التهيؤ لتقبل الخير في رمضان ما لا يحصل في غيره ؛ وذلك لأن الشياطين تُصفد فلا تخلص إلى ما كانت تخلص إليه في غير رمضان . وهذه بالطبع فرصة سانحة لزيادة التأثير على الناس وترقيق قلوبهم وربطها بالله تعالى .

وهذا فهم صائب ، ولكن الخطأ دم الموازنة بين الأمور وعدم تقديم الأولويات ؛ فالنفس هي أحق من تُقتنص لها الفرص لتعبيدها وتذليلها وتعويدها على جوانب العبادة المختلفة .

ثانياً : نسيان كثير من المصلحين أن النفوس العاجزة عن التأثير في ذاتها وقصرها على جوانب العبادة المختلفة ستكون أشد عجزاً عن التأثير في الآخرين وغرس المبادئ والقيم الخيّرة في نفوسهم ، وهذا هو مضمون العبارة التي تقول : « فاقد الشيء لا يعطيه » .

- إذ كيف يوصل الإيمان للقلوب ويعلقها بالله قلب مقطوع عن الله ؟

- وكيف يرقق القلوب ويغذيها بالخوف والخشية قلب قاسٍ لم يتمرغ في طاعة الله ، ولم تدمع عين صاحبه من خشية الله ، ولم تتغذَّ روحه بالصلاة والقيام وتلاوة القرآن ؟

ثالثاً : الغفلة عن حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الدعاة ، وعن حال السلف الصالح .

- فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم : « كان ينزل عليه جبريل في رمضان كل ليلة فيعارضه القرآن »[3] ، متفق عليه بلفظ « فيدارسه القرآن » .

- وكان صلى الله عليه وسلم « إذا دخل العشر أحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وشدَّ المئزر »[4] .

- يقول ابن القيم : « وكان هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات » .

- وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان أوقف حلقات العلم وكفَّ عن التدريس والفتيا وقال :« هذا شهر رمضان » .

فكل هذه النصوص تعطي للدعاة درساً في وجوب الاهتمام بالنفس قبل الاهتمام بالغير .

* يا صُنّاع الحياة ! إن اهتمامكم بأنفسكم وصلتكم بالله هي من الدعوة ذاتها ؛ لأنها المعين الأول لكم بعد توفيق الله على مواصلة جهدكم في دعوة الناس وتعليمهم وإصلاح فساد مجتمعاتنا ، والتي تحتاج إلى ثقة كبيرة بنصر الله لهذا الدين مهما بلغ حجم الانحراف والفساد في هذه الأمة ، وهذا ما تغرسه العبادة والاتصال بالله في النفوس حتى لا تقع ضحية اليأس والإحباط من التغيير .

* وأخيراً : لا يعني كلامي هذا أن يتفرغ الدعاة والمصلحون لأنفسهم ، ويتركوا الميدان للمفسدين والمضللين ودعاة الشر بحجة الاهتمام بالنفس قبل الغير ، ولا يعني في المقابل أن يبذلوا لهم كل أوقاتهم وجهودهم بل التوسط مطلوب في كل الأمور . فكلا طرفي قصد الأمور ذميم ؛ كما قيل . والوقت فيه مُتَّسع لهذا وذاك إذا أخلصنا النيات وجردنا المقاصد ورتبنا أولوياتنا ، واستبعدنا كثيراً من الأمور التي تُعدُّ من الترف ، أو يمكن قضاؤها بعد رمضان .





(1) متفق عليه .

(2) متفق عليه .

(3) متفق عليه .

(4) متفق عليه .

 

أعلى