رمضان الكريم هو الشهر الذي أنزل الله - تعالى
- فيه كتابه الحكيم؛هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .
والقرآن الكريم هو أساس الجهاد الكبير المستمر
؛ الجهاد بالكلمة ؛ حيث أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين
معه بأن يجاهدوا الكفار بالقرآن الكريم جهاداً كبيراً ؛ أمرهم بذلك وهم مضطهَدون بمكة
منهيون عن القتال بالسيف ، مأمورون بأن يكفُّوا أيديهم ويقيموا الصلاة .
أنزل الله - تعالى - على رسوله قوله :
{
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ
الْمَلاَئِكَةُ
تَنزِيلاً
}
(
الفرقان : 25 )
؛ فأمره
بأمرين مهمين ؛ علينا أن نتذكرهما ونعمل بهما ولا سيما في هذا الشهر العظيم :
أمره أولاً :
بأن لا يطيع الكافرين ؛ لا يطيعهم في أي أمر
فيه مخالفة لِما أنزل الله - تعالى - عليه في أمور الإيمان والعبادات والأخلاق والدعوة
ومحاولتهم توهين أمره .
وأمره
ثانياً
:
بأن
لا
يقف
عند
حدود
هذا
الموقف
السلبي
مع
عِظَم
أهميته
،
بل أن يخطو خطوة أخرى : هي جهاد الكفار بالقرآن
الكريم جهاداً كبيراً .
والجهاد الكبير كما تقول كتب التفسير :
هو الجهاد الجامع لكل مجاهَدة . ونحن ؛ إذ نتحدث
في هذا المقال عن الجهاد بالقرآن لا نعني نفي الجهاد بالسيف ؛فقد كانت معركة الإسلام
الكبرى في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان في رمضان ، وإنما الذي نريد تأكيده هو أنه
: إذا كان الجهاد بالسيف قد ينقطع لبعض الوقت ولبعض الأسباب ؛ فإن الجهاد بالكلمة ؛
كلمة الله - تعالى - جهاد مستمر وقد يكون شاقاً ، لكنه جهاد لا بد منه ؛ كان قبل القتال
ويكون أثناءه وبعده .
إنه جهاد لا بد منه ؛ لأنه جهاد لا تعلو كلمة
الله - تعالى - إلا به .
أريد في هذا المقال أن أُذكِّر الإخوة الصائمين
بأمور تتعلق بالجهاد بالقرآن :
أريد أولاً :
أن أدعو من كان منهم قادراً على تدبُّر القرآن
الكريم وهو يتلوه في هذا الشهر ، أن ينظر في الآيات الكريمة التي يرى فيها إبطالاً
لما يراه جديداً من شبهات الكفار والمنافقين وسائر أهل الزيغ والضلال ، ولما يراه فيها
من كشفٍ لدوافعهم الخبيثة ، وبيانٍ لطُرُقهم في نشر باطلهم ، وتحذير للمؤمنين من التأثر
بها ؛ أريد لهذا القارئ الكريم أن ينظر في مثل هذه الآيات ، ثم يتسلح بها في مواجهته
لأولئك الضالين ، مستعيناً بما كتبه عنها من سبقه من علماء الأمة الفضلاء ، ثم يخوض
معركته بالوسائل المهيأة له ؛ فإن كان من أهل الكتابة كتب ، وإن كان من أهل الحديث
تحدث ، وإن كان من أصحاب الحوار حاور ، وإن أكرمه الله ؛ فكان من أهل ذلك كله فليجعله
كله طريقاً لإعلاء كلمة الله وقمعاً لمن يسعون لإطفاء نور الله ، وليحرص ما أمكنه الحرص
على أن ينتشر هذا الحق بكل الوسائل الحديثة المشروعة حتى يطَّلع عليه الناس ؛ فإذا
لم يطلع عليه اطلاعاً مباشراً من كان الكلام رداً عليه ، فربما اطلع غيره فبلَّغه إليه
.
وأريد ثانياً :
أن أُذكِّر من لم يكن مؤهَّلاً لشيء من ذلك أنه
ما زالت أمامه أبواب أخرى للجهاد بالقرآن الكريم ؛ من ذلك أن بعض الجماعات والمؤسسات
في البلاد الغربية قررت أن تقوم بحملات لتوزيع ترجمات القرآن الكريم ، وهي تطلب المساعدة
على ذلك ؛ فإن استطاع أن يساعدها مساعدة مباشرة ، فليفعل ، وإلا فليحُثَّ على مساعدتها
من يراه قادراً على ذلك .
وإذا كانت هذه الحملات قد حدثت في البلاد الغربية
فربما كانت أمثالها حادثة في غيرها من البلاد ؛ في الصين واليابان والهند وإفريقيا
، وغيرها من أرض الله التي لا يستطيع أهلها الاطلاع المباشر على كتاب الله في لغته
العربية التي أنزله الله - تعالى - بها .
هذا عمل جليل ؛ لأن ما يسمى بالمعركة الثقافية
؛ لكسب قلوب الناس ما تزال تزداد احتداماً في عصرنا ؛ فالغرب يستعمل كل ما لديه من
وسائل إعلامية ؛ لنشر ثقافته وما يسميه بـ : قِيَمِه ، والمسلمون يتأثرون بهذه الثقافات
في معتقداتهم وأفكارهم وأزيائهم وسائر أنواع سلوكهم ، لكن المسلمين أيضاً يؤثِّرون
في الغرب وسائر البلاد غير الإسلامية تأثيراً عميقاً مرتكِزاً أساساً على دينهم ، وآية
ذلك أن الكثيرين منهم إذا عرفوا الحق لم يأبهوا لما يرونه من دعايات رسمية وغير رسمية
ضد الإسلام ، بل آمنوا به كله ؛ فصاروا يُصلُّون ويصومون ويزكُّون ويحجون ؛ فعلى المسلم
أن يدخل هذه المعركة إن لم يكن قد دخلها من قَبْل ، وعليه أن يزيد من جهده في شهر الصيام
إن كان ممن شرَّفهم الله - تعالى - بدخولها .
إن المسلم الصادق العارف بما يدور في عالمه لا
يمكنه أن يقف متفرجاً في هذه المعركة الثقافية التي تدور رحاها بين المسلمين وخصومهم
وأعدائهم ؛ لا يمكنه أن يظل متفرجاً وهو يرى أولئك الخصوم لا يكتفون بنشر أباطيلهم
؛ بل يتعدون ذلك إلى تشويه الإسلام تشويهاً نرى آثاره على كثير من الناس في بلادنا
وبلادهم .
خذ على سبيل المثال ما قاله صاحب كتاب نُشِر
حديثاً بعنوان : ( سوء الفهم القاتل ) ألَّفَه عضو في الكونغرس الأمريكي وقدَّم له
( بان كي مون ) الأمين العام للأمم المتحدة ، يقول مؤلف الكتاب : إنه دخل عالم واشنطن
قبل خمسة وعشرين عاماً ( الكتاب صدر في عام 2008م ) باعتباره جمهورياً محافظاً ونصرانياً
إنجيلياً ، ويقول : كنت في ذلك الوقت أعتقد أن الإسلام دين عنف ، وأن القرآن يدعو إلى
إبادة كل من ليس مسلماً ، وأن القرآن والإسلام أمور شريرة ، وأنها أمور إلحادية ؛ مثلها
في ذلك مثل الشيوعية التي كان العمل على هزيمتها هو هدف السياسة الخاريجية الأمريكية
.
إن ما يطلبه الكفار الآن من المسلمين هو عكس
ما يأمرهم به دينهم ؛ إنهم يطلبون منهم أن لا يدافعوا عن أراضيهم حتى لو غُزوا في عِقر
دارهم ، وإلا كانوا إرهابيين مجرمين ، بل صاروا يقرنون بين الجهاد والإرهاب ؛ فيُسمُّون
الكثيرين ممن يصفونهم بالإرهابيين جهاديين ، وصاروا يطلبون من المسلمين أن لا يدافعوا
عن دينهم أو يردوا على الكافرين به حتى بالكلمة ، وإلا كانوا متطرفين مفرِّقين للناس
غير راضين بالتعايش السلمي معهم ، لكن ديننا يعلِّمنا أن هنالك فَرقاً بين أن تسالم
أعداء دينك ، وأن تعترف لهم بباطلهم ؛ فالمطلوب من المسلمين أن يعيشوا في سلام مع من
كل من يريد أن يعيش معهم في سلام ، لكن المطلوب منهم في الوقت نفسه أن يقوموا بتبليغ
رسالة نبيهم ، وأن يبلِّغوها بالتي هي أحسن .
ولا تَضَاد بين هذا وذاك ؛ إذ إن هنالك فَرقاً
بين المسالمة والمداهنة .
ثم لنتذكر أن هذا الجهاد بالقرآن الكريم هو نفسه
عبادة من أعظم العبادات ، وأنه ربما كان أبلغ في شهر الصيام والقرآن ؛ حين تصفو النفوس
- بإذن الله - وتكون أكثر إخلاصاً ، وأشدَّ حباً للحق ، وأكثر كراهية للباطل ، وأقدر
على تدبُّر القرآن الكريم ؛ إنه جهاد يبتغي به المؤمن المخلص إعلاء كلمة الله ، ويعمله
ابتغاء رضوانه - سبحانه - إن العمل الجهادي لا يذهب هباءً أبداً ، بل إما أن يهتدي
به بعض الضالين ؛ فيكون قد زاد من الخير ، ويكون ذلك خيراً له من حُمْر النَّعَم ،
وإما أن يكون فيه قمع لأهل الباطل وتقليل من شرهم ، وإما أن يجتمع الأمران كلاهما ؛
فيكون خيراً على خير .
والمؤمن وإن كان يعلم هذا ، لا يُعلِّق عمله
على رؤية هذه النتائج ، بل يكِل أمرها إلى الله - تعالى - كما قال الله - سبحانه -
لنبيه - صلى الله عليه وسلم - :
}
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ
بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ
شَهِيدٌ عَلَى مَا
يَفْعَلُونَ
}
(
يونس : 46 )
.