هل يستطيع لبنان الخروج من هيمنة إيران؟
"حسن نصر الله إرهابي" هكذا ردد المتظاهرون اللبنانيون اليوم وهم يرفعون مجسم حسن نصر الله على المشانق، وذلك ردا على خطاب نصر الله أمس الذي حاول فيه أن يبرأ نفسه من تفجيرات مرفأ بيروت، حينما قال في خطابه "نحن لا ندير ولا نسيطر على المرفأ ولا نتدخل فيه ولا نعرف ماذا يجري أو ما يوجد فيه".
وهكذا لخص حسن نصر الله أمين عام حزب الله موقف الحزب من الاتهامات التي طالت الحزب، والتي اتهمته بالمسئولية غير المباشرة عما حدث من تفجيرات في مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي، والتي أسفرت عن نحو 160 قتيلاً وآلاف الجرحى، والتي شبهها المراقبون بتفجيرات هيروشيما النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت أمريكا بقنبلتها النووية على المدينة اليابانية وأحدث فيها تدميرا واسعا وهائلا.
وكرد على هذه المظاهرات اللبنانية ضد نصر الله والمطالبة بإنهاء النفوذ الإيراني على لبنان، انطلق المغردون الشيعة الموالون لحزب الله وحركة الأمل يكتبون ويهاجمون اللبنانيين، ومن بين هذه التغريدات ما كتبه أحدهم قائلا: ان كان حسن نصر الله سببا في تدمير لبنان فما أجمله من تدمير.
الغريب أن حسن نصر الله في خطاب سابق له قبل تفجير مرفأ لبنان بعدة شهور، وفقاً لمقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي يقول فيه إن القنبلة النووية، التي يقصدها ستكون بإرسال صواريخ من قبل حزب الله على حاويات الأمونيوم في ميناء حيفا داخل إسرائيل، مما سيؤدي إلى انفجار شبيه تماماً بالقنبلة النووية، وهذه الصواريخ التي سوف تسقط على هذه الحاويات في منطقة يسكنها مئات الآلاف من الاسرائيليين، سوف تقتل منهم عشرات الآلاف، وتابع نصر الله في رسم المشهد بالقول: إن هذه الصواريخ التي سوف تسقط على هذه الحاويات في منطقة يسكنها 800 ألف نسمة، وسوف تقتل منهم عشرات الآلاف.
وهذا السيناريو بالضبط الذي حدث في تفجيرات بيروت حينما انفجرت حاويات أو مخازن تحتوي على كميات ضخمة من نترات الأمونيوم.
وبالرغم من نفي نصر الله صلته بمرفأ لبنان، إلا أن الأدلة تكاد تكون متواترة وعلنية على سيطرته على هذا المرفأ.
ففي عام 2012 تم اعتقال أحد عناصر حزب الله في قبرص، وصودرت لديه 8.4 طنا من مادة نترات الأمونيوم كما نشر من قبل، وفي عام 2015 اعتقل ثلاثة عناصر من الحزب في الكويت وصودرت كمية كبيرة من هذه المادة، وكانت السلطات الألمانية قد اعتقلت في مايو الماضي خلية أعضاؤها من حزب الله اللبناني بناء على معلومات قدمها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) لبرلين كانوا يخزنون شحنات تصل لمئات الكيلوجرامات من مادة نترات الأمونيوم في جنوب البلاد، وهذا ما دفع ألمانيا لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية وحظر أنشطته، فيما شنت حملة أمنية واسعة في عدة مدن ضد أنشطة الحزب ومنظمات ومساجد يعتقد أن لها صلات بالحزب.
وكما ذكرنا من قبل فإن حزب الله هو الذي يهمين على مطار ومرفأ بيروت، ومن المعروف أنه وبفعل الحصار على إيران الذي أفقد الحزب الكثير من القوة والدعم المالي، لجأ نصر الله إلى توسيع دائرة التهريب والأعمال غير الشرعية عبر المرافق العامة وخاصة المنافذ الحدودية سواء الأرضية أو البحرية أو الجوية من أجل التعويض عن الدعم الإيراني المالي.
بل إن مسئولين لبنانيين وفي تصريحات علنية لهم رأوا أن من أسباب رفض حزب الله الاستعانة ببرامج صندوق النقد الدولي في حل الأزمة الاقتصادية بالبلاد، خوفاً على مصادر تمويله المتمثلة بشكل أساسي في التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية أو الشرعية، مثل المرفأ والمطار، التي يسيطر عليها.
وتحت مزاعم وعناوين المقاومة يُدخل الحزب المواد التجارية والبضائع من دون أن يدفع رسوماً فمنذ العام 2006، أي الحرب التي ورط فيها الحزب فيها لبنان مع إسرائيل لحسابات إيرانية، يدخل الحزب إلى المرفأ ويخرج منه ما يشاء تحت حجة إعادة إعمار المناطق الجنوبية التي تضررت جراء القصف الإسرائيلي، فعملية إخراج وإدخال بضائع باتت جزءاً أساسياً من اقتصاد الحزب الخاص وبنيته العسكرية.
ويقدر الباحث في مؤسسة "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين: إن عمليات التهريب والتهرّب الجمركي التي تتم في المرفأ، تتم تحت ستار الجمعيات الخيرية المُعفاة من الرسوم الجمركية كما ينصّ القانون اللبناني وبغطاء سياسي، فتُدخل على اسمها البضائع والمنتوجات إلى لبنان.
وتُقدّر عائدات مرفأ لبنان بنحو 250 مليون دولار سنوياً.
فإذا كان الكل يعلم أن حزب الله يسيطر على لبنان وعلى مرافقه العامة الشرعية، فكيف لا يعلم بوصول هذه الكمية من شحنة الأمونيوم؟
ولكن ماذا يفعل الشعب اللبناني الذي باتت هيمنة إيران وفرعها المحلي الذي يطلق عليه حزب الله على القرار الاستراتيجي اللبناني وعلى الأنشطة الاقتصادية والسياسية مكلفا مئات الأرواح والانهيار الاقتصادي للبلاد؟
لذلك جاءت التظاهرات التي بدأت منذ أمس ولعل تظاهرة اليوم هي الأقوى من سابقتها، ويكاد يجمع اللبنانيون فيها على مسئولية حزب الله وارتهانه لبنان للمطامع الإيرانية، وهذا هو السبب الذي جعله يستهتر بدماء اللبنانيين ليبني عليها حسابات إيران وتنافسها مع الدول الإقليمية والدولية المختلفة، سواء كان حادث التفجير اهمالا من الحكومة أو مدبرا من قوى خارجية.
واليوم وعلى مسيرات تشييع ضحايا تفجير بيروت، تنطلق الموجة الثانية من الثورة اللبنانية والتي يأمل منها اللبنانيون أن تكون وسيلة خلاصهم من الهيمنة الإيرانية.
ولكن حتى لا تتحول هذه الموجة الثورية إلى سابقتها وتتلاشى وتضيع مرة أخرى، ينبغي على اللبنانيين استغلال هذه اللحظة الراهنة، ويدركوا أن ثمة فرصة يمكن أن يستثمرها الشعب اللبناني للخروج من هذه الهيمنة، فيعملوا على مراعاة الآتي:
أولا/ استغلال التعاطف الدولي مع لبنان، والذي أعلن عنه مسؤولون غربيون وعرب تباعا وتدفق المساعدات الخارجية إليه، خاصة أن لبنان منذ انشاءه أو حتى قبل وجوده منذ أيام الإدارة العثمانية وهو يحظى برعاية دولية من جانب القوى الدولية.
ثانيا/ الضغط على هذه الدول المتعاطفة حتى لا يصل الدعم المقدم منهم إلى الحكومة اللبنانية الواقعة تحت النفوذ الإيراني، وقد بدا هذا من تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون عند زيارته لبيروت الأيام الماضية، حيث حثه المتظاهرون على عدم وصول المساعدات إلى الحكومة اللبنانية، وتوجيهها إلى الجمعيات الخيرية اللبنانية فوعدهم ماكرون بذلك.
ثالثا/ الإصرار على التحقيق الدولي في قضية التفجيرات المرفأ وأن يكون شبيها بالتحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري، لأن حياد هذه الحكومة المرهونة إيرانيا أصبح غير ذي جدوى، فكيف سيحقق المتهم مع نفسه؟
رابعا / استمرار المظاهرات وتوحيد مطالبها وهو التخلص من رأس الداء وهو النفوذ الإيراني والتوحد وعدم إعطاء أي فرصة وقطع الطريق على من يحاول زرع الشقاق، وعدم النظر إلى محاولات الالتفاف وطرح مبادرات للحوار أو الجلوس للمفاوضات السياسية، وافراغ الحراك والثورة الشعبية من مضمونها ومن ثم اجهاضها، والتصدي لمحاولات التجمعات والاحزاب السياسية التي تحاول الاختراق والمحافظة على نقاء الثورة وبعدها عن الأحزاب الفاشلة والفاسدة.
خامسا/ محاولة استمالة أجزاء كبيرة من الشيعة لبنان والرافضين للتوغل الإيراني وتوحش نفوذ حزب الله، وفي نفس الوقت قطع الطريق على المتصادمين والمندسين من حزب الله وحركة أمل وعدم الانجرار للاشتباك معهم.
سادسا/ وضع برنامج واضح ومعلن للحل السياسي الجذري، وتشكيل جسم سياسي جديد يتجاوز الأحزاب والتكتلات السياسية الموجودة والطبقة السياسية الحاكمة، يلتف حوله اللبنانيون للعمل على تنفيذ هذا البرنامج.
قد تكون هذه مبادئ للتجمع، وقد يكون هناك غيرها الكثير، ولكن يبقى الأمل في الخلاص من النفوذ الإيراني في لبنان وهيمنته على هذا البلد هو أساس وحدة اللبنانيين وانطلاقهم نحو المستقبل.