• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تخسر الجزائر في ليبيا مقابل مصالح حلفائها؟!

هل تخسر الجزائر في ليبيا مقابل مصالح حلفائها؟!


في عام 2011 انطلقت الثورة الليبية وإنهار نظام الزعيم معمر القذافي وعلى إثر هذا التحول إنهارت المنظومة الأمنية الليبية على حدود بين الجزائر وليبيا والتي تزيد مساحتها عن  900كلم، ومع ذلك الإنهيار بدأت حالة اضطراب أمنية كبيرة تضمنت عمليات تهريب للأسلحة والمخدرات وتدفق للاجئين لم تنتهي بالهجوم الذي استهدف مجمع للغاز تديره شركة سوناطرك الجزائرية وأسفر عن مقتل 40 موظفاً على يد جماعات مسلحة "إرهابية" تنشط في منطقة الحدود عام 2013، وذكرت السلطات الجزائرية أن منفذي الهجوم تسللوا من الأراضي الليبية، لكن تلك الحادثة لم تكن كفيلة بإفاقة المنظومة الأمنية الجزائرية التي كانت تعيش في أوج صراع على السلطة بعد أن ثبت عجز الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن القيام بمهامه، واستمرت تتخذ موقفاً محايداً اتجاه الأزمة الليبية التي أضحت مستنقع مليء بالجماعات المسلحة وأجهزة المخابرات الدولية.  

بالتزامن مع الحراك الذي تسبب بإستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في إبريل2019 وحالة إعادة تدوير النظام الحاكم مرة أخرى كانت ليبيا تشهد مرحلة جديدة من الصراع بدأت عبر محاولة القائد العسكري خليفة حفتر بإقتحام العاصمة طرابلس لإنهاء وجود حكومة فايز السراج وحسم المعركة لصالحه لإنهاء الصراع المتواصل منذ السنوات حول الهيمنة على نظام الحكم في ليبيا، ورغم أن تلك الأحداث كانت فارقة بالنسبة للأمن القومي الجزائري إلا أن النظام أيضاً كان منشغلاً في تثبيت أركانه بتشريع الانتخابات التي أفرزت تنصيب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وترتيب المنظومة الأمنية بكاملها لاسيما عقب خطوة تمت في ذروة مرض بوتفليقة كشفت عن صراع كبير بين سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، وجنرالات الجيش برعاية رئيس الأركان الراحل أحمد قايد صالح، أسفرت عن إقالة رئيس المخابرات الفريق محمد مدين الملقب بــ"الجنرال توفيق" في اكتوبر2015، لكن ذلك الصراع لم يهدأ إلا عقب إقدام الرئيس تبون على إقالة أكثر من 80 في المائة من قيادات الأجهزة الأمنية، وكان النصيب الأكبر من تلك الإقالات تستهدف بالدرجة الأولى جهاز المخابرات العامة إذ تمت إقالة مدير الأمن الخارجي بجهاز الاستخبارات العقيد كمال الدين الرميلي، وعين خلفا له اللواء محمد بوزيت، وهي ثالث إقالة  استهدفت الجهاز منذ تولي تبون، بالإضافة إلى إعادة هيكلته بالكامل وإلحاقه بوزارة الدفاع.

ويضم جهاز المخابرات الجزائرية ثلاثة فروع رئيسية، هي المخابرات الداخلية، وتختص بالعمل الاستخباراتي داخل البلاد، والمخابرات الخارجية (الأمن الخارجي) وتختصّ بمكافحة التجسسّ والعمليات في الخارج، إضافة إلى إدارة الأمن التقني المعلوماتي.

مؤخراً نشرت مسودة أولية للدستور الجزائري المعدل جاء فيها أن الجزائر يمكنها المشاركة في عمليات حفظ السلام في إطار الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، والسماح للجيش بتنفيذ مهمات خارجية بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان. تلك الخطوة فسرها العديد من المتابعين للمشهد السياسي الجزائري في سياق تحرر النظام الجزائري من حالة الحياد التي استمرت طوال سنوات بوتفليقة إزاء الملفات المضطربة في محيطها، فقد تشارك الجزائر للمشاركة في حملة برخان الفرنسية المتواصلة منذ عدة سنوات ضد الجماعات الجهادية وقد تسمح لها تلك التشريعات بالتدخل في الجنوب الليبي لحماية مراكز ثروتها الطبيعية من النفط والغاز ولا يستبعد أن تقوم بدور مستقبلي في تونس لتأمين استقرار المشهد السياسي هناك.

عقب فترة الحياد وإنشغالها بصراعاتها الداخلية بدأت الجزائر بنوع من التحرك السياسي في المشهد الليبي في خطوة غير متكافئة مع تحركات قوى أخرى على طول جزء كبير من حدودها الجغرافية، فقد أرسلت الجزائر وزير خارجيتها صبري بوقادوم في فبراير الماضي للقاء خليفة حفتر  لكن عاد بوقادوم بخيبة أمل كبيرة إذ وجد في استقباله عبد الهادي الحويج وزير خارجية برلمان طبرق الداعم لحفتر الأمر الذي أربك دبلوماسية الجزائر الهشة في بداية خطوتها الأولى. تلك الخطوة كانت إرتداد طبيعي لسلوك جزائري رسمي عايشه حفتر حينما زار الجزائر في ديسمبر2016 ، إذ رفضت الدولة نزوله من طائرته بالزي العسكري، وهذا الأمر أفضى إلى أن الجزائر رغم خطابها الذي تحاول عبره لعب دور الوسيط وعدم خروجها عن سياساتها السابقة إلا أنه أظهر عدم قبول جزائري لدعم حفتر.

قد يفسر البعض الخطوات الجزائرية في ليبيا على أنها مترددة وغير متقنة بسبب تأثير الوضع الداخلي والإشكالات العالقة بسبب الحراك المستمر الذي جعل الرئيس عبد المجيد تبون غير قادر على إرتداء عباءة بوتفليقة القديمة بثقلها في شمال إفريقية لغياب الشرعية الشعبية التي تحتم عليه إعداد حساباته بحذر في حال رغب بإستخدام ترسانة بلاده العسكرية الضخمة في ليبيا، فهو لا يزال غير محل ثقة لدى الحراك الذي توقف مؤقتاً بفعل انتشار فيروس كورونا في مارس الماضي.

في 20 يناير زار تبون ألمانيا للمشاركة في قمة برلين المنعقدة حول الملف الليبي وفي الأسبوع الذي تلاها استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأظهر تبون خلال إجتماعه موقفاً جزائرياً هو في حقيقته أقرب للدبلوماسية منه للحجم الحقيقي للدور الجزائري المأمول، وأعلن صراحة تنفيذ توصيات مؤتمر برلين لإقامة السلام في ليبيا.  

وصرح تبون في 7 يناير بأن حكومة طرابلس "خط أحمر لا يمكن تجاوزه" خلال استقباله رئيسها فايز السراج في العاصمة الجزائر، الأمر الذي تسبب بإطلاق حملة إعلامية ضخمة استهدفت الجزائر ووصفها بأنها تحيك مؤامرات تستهدف ليبيا.

يأتي التحرك الجزائري بالتزامن مع الحراك الذي يرفض الإقرار بشرعية استقرار النظام السياسي في البلاد وهذا الأمر يفسر الخطوات الجزائرية المرتبكة إزاء الملف الليبي ويبرهن أن التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها الحكومة الجزائرية مرتبطة دائماً بالتحديات الداخلية التي تواجهها للتأكيد على استقرار الأوضاع في البلاد وتجاوز حالة الغضب الشعبي الموجودة وتغطيتها أمام المجتمع الدولي، فالتحرك العسكري لم يخرج عن الشائعات التي انتشرت عام 2017 حول وجود خلايا استخبارية جزائرية تنفذ هجمات تستهدف "الإرهاب" داخل الحدود الليبية والمالية. وبحسب إفادة مسؤول ليبي كبير فإن الجزائر لديها علاقات قوية مع القبائل الجزائرية المختلفة ولديها قاعدة بيانات ضخمة حول تفاصيل التوزيع الديمغرافي الليبي لكن ذلك لم يعد له أهمية مع تضخم الوجود العسكري الأجنبي وتنوعه في ليبيا بالتزامن مع صعود نفوذ وقوة الجماعات الجهادية المحلية التي سيطرت على المشهد. فرغم رفض الجزائر للتدخل التركي في ليبيا إلا أن أنقرة تجاوزت هذا الموقف وأظهرت بوضوح أن الجزائر لا تستطيع التأثير في الوقائع الميدانية على الأراضي الليبية ولن يخرج موقفها من دائرة النشاط الدبلوماسي وهذا الأمر لايمكن تصنيفه في سياق ضعف عسكري بل بسبب هشاشة النظام السياسي في الجزائر.

الأمر الآخر الذي ينظر إليه بعين حذره لتفسير طبيعة التحرك الجزائري في ليبيا هو وجود شركاء للجزائر لديهم مصالح ضخمة في ليبيا وهم فرنسا وروسيا، فلا تستطيع الجزائر التدخل عسكرياً في نفس الميدان الذي تعمل فيه المخابرات الجزائرية و الروسية، فالجيش الجزائري تجمعه علاقات حميمية بالجيش الروسي تجعل من المحرمات أن توجه أي انتقادات لروسيا في الإعلام الجزائري، فهناك بين الطرفين شراكة عسكرية ضخمة إذ تعتمد الجزائر بشكل كبير على الصناعات العسكرية الروسية لتحديث ترسانتها، ومؤخراً وجهت روسيا دعوة رسمية لرئيس الأكران الجزائري بالإنابة اللواء لزيارة إلى موسكو، لحضور إحتفالات الجيش الروسي للذكرى الــ75 لعيد النصر، وهذه الدعوة تعد استثناء تقدمه روسيا تديراً لحلفائها، لذلك لا يمكن للجزائر مواجهة حفتر في ليبيا لكونه يحظى بدعم روسي كبير، كذلك تحظى روسيا بمصالحة نفطية كبيرة في ليبيا وخاصة في حقلي"الشرارة" و"الفيل" الذي تمتلك شركة غازيروم الروسية جزء كبير منهما.

وكذلك الأمر بالنسبة لفرنسا التي تنظر إلى ليبيا كمغنم جغرافي يجعلها تصل إلى عمق افريقيا في حال استطاعت الحصول على قواعد عسكرية في سرت وسبها لتكون ممراً آمناً لقواتها بإتجاه مستعمراتها وقواعدها العسكرية في مالي وتشاد والنيجر، وتسعى فرنسا التي تعتبر الجنوب الليبي خط أحمر لا تريد من أحد الوصول إليه، للسيطرة على قاعدة "تمنهت" العسكرية شرق مدينة سبها التي تتمتع بموقع استراتيجي هام حيث تُشرف على الطريق بين سبها والجفرة التي تتوسط البلاد وتربط الشمال بالجنوب، وستمكنها كذلك من السيطرة على حقول نفطية مثل حقل "الشرارة" وحقل "الفيل".  فسيطرت فرنسا على قواعد عسكرية في ليبيا ليس فقط له تأثير كبير على أمن الحدود البحرية للناتو في أوروبا بل أيضاً سيجعلها تتجاوز عائق كبير يتعلق بالوصول إلى مستعمراتها السابقة في افريقيا، فبدلاً من اضطرار السفن الفرنسية لقطع مسافات طويلة عبر المحيط الأطلسي، ستختصر مسافات كبيرة بتأمين ممر ملاحة عبر البحر المتوسط يربط فرنسا بمستمعراتها عبر سرت الليبية.

 ختاماً، يمكن تشخيص دوافع شلل التحركات الجزائرية في ليبيا للأسباب الثلاثة الآتية، وهي ضعف وهشاشة النظام الحاكم الذي لم يستطع إنهاء الحراك الشعبي أو اكتساب شرعية شعبية، وكذلك وجود لاعبين كبار وشركاء لهم نفوذ وتأثير ضخم على الحكومة الجزائرية مثل فرنسا وروسيا ولديهم مصالح متضاربة في ليبيا، والسبب الأخير يتعلق بالصراع المتواصل داخل المنظومة الأمنية الجزائرية الذي بدأ منذ مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ولم ينتهي إلى يومنا هذا بتقليص صلاحيات جهاز المخابرات الجزائري.

 

 

أعلى