الحرب على غزة لم تعد كذلك، إنها كانت وما زالت حرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني كله بعيدًا عن وهم التمايز الجغرافي كله، إنها الحرب الهادفة إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في كل أماكن وجوده
إن مشاهد القتل والمجازر الصهيونية المستمرة والمتكررة في الضفة والتي خلفت الآلاف من الشهداء والجرحى على مدى أحد عشر شهرًا، تخبرنا أن هذه الحرب ما هي إلا محاولة للقضاء على إمكانية الحياة والعيش في تلك الأحياء من خلال تدمير بيوتهم ومؤسساتهم ومدارسهم وجامعاتهم وبنيتهم التحتية وكل مناحي الحياة، إنها حرب ضد كل ما هو قائم الآن وضد ما يمكن أن يتطور في المستقبل.
حرب ضد المشروع الوطني:
ليس بعيدًا عن غزة فها هي الحرب تعبر من جديد فوق الجغرافيا المجزأة لتؤكد أن الحرب في حقيقتها ليست ضد غزة بل بل ضد المشروع الوطني الفلسطيني برمته، المطالب بحقوقه المشروعة ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف والتي نصت عليها كل المواثيق الدولية والشرعية، فشقها الآخر في الضفة الغربية ليس بأفضل حال ولا ينفك الاحتلال الصهيوني من عمليات الدهم والقتل والقصف والتدمير لكل مناحي الحياة هناك، كان آخرها العملية الصهيونية الموسعة التي قادها جيش الاحتلال بهدف إحباط أي محاولات لاندلاع انتفاضة هناك أو انطلاق عمليات ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه، فأطلقت يد قطعانهم من المستوطنين لإشاعة الرعب والخوف والقتل في صفوف المواطنين هناك في كافة المدن والمخيمات بتحريض من وزراء اليمين المتطرف أمثال بن غفير وسموتريتش وكاتس وغيرهم، في ظل حماية من الجيش الصهيوني وفي ظل السياسة الصهيونية المتطرفة الماضية في مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم البيوت القانونية والمداهمات الليلية والاعتقالات وشرعنة وبناء المزيد من المستوطنات، في تحدٍ سافر لكل المواثيق والأعراف الدولية الداعية لوقف الاستيطان غير الشرعي في مناطق الضفة الغربية ومناطق السلطة الفلسطينية الأمر الذي أدى إلى انفجار الأوضاع في الضفة الغربية لمواجهة هذه السياسة الصهيونية.
على غرار عملية السور الواقي:
أكبر عملية عسكرية صهيونية منذ أكثر من عشرين عامًا وتحديدًا بعد عملية السور الواقي 2002 يشنها الجيش الصهيوني على مدن الضفة الغربية، وتحديدًا في مدن شمال الضفة الغربية طولكرم وجنين ونور شمس والأغوار وستتركز خلال الأيام المقبلة في جنين وطولكرم وستستمر أيامًا، بزعم مكافحة الإرهاب والتي أوقعت العديد من الشهداء والجرحى والتي تعد امتدادًا للحرب المتواصلة على قطاع غزة، وترجمة للمخططات الهادفة لتسريع ضم الأراضي والتهويد وتوسيع الاستيطان، وهي أهداف صهيونية تلتقي مع أهداف المستوطنين، حيث تخطط دولة الاحتلال من خلالها لاغتيال مخيمات الضفة الغربية وتهجير سكان بعض المناطق في حين يستفرد المستوطنون بأراضي (ج).
لقد اجتاح مئات الجنود الصهاينة مدنًا في شمال الضفة الغربية، بأعداد كبيرة من المركبات المدرعة والجرافات، واشتبكوا مع المسلحين وتركوا العديد من الناس محاصرين في منازلهم بدون طعام ومياه وكهرباء، فيما تستهدف المقاتلات الصهيونية المخيمات والمقاومين بالغارات والذين تتهمهم دولة الكيان بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية ضد المواقع العسكرية والمستوطنات، والتي أسفرت عن مقتل العديد من الجنود والمستوطنين، وتشهد الضفة الغربية منذ فترة سابقة توغلات صهيونية متكررة قبل العملية العسكرية، لكن من النادر أن تنفذ بشكل متزامن في مدن عدة، وبإسناد جوي، كما يحدث في هذه العملية.
وتشير الإحصاءات إلى أن الجيش الصهيوني قتل 660 فلسطينيا في الضفة الغربية منذ هجوم حماس على البلدات والمستعمرات الصهيونية في أكتوبر، الذي أعقبه حرب غزة، وقُتل بعضهم على يد قوات صهيونية والبعض الآخر على يد مستوطنين يهود ينفذون هجمات متكررة على بلدات فلسطينية، وتدور معارك شرسة في مدينة جنين منذ عدة أيام مع مواصلة الجيش الصهيوني عملياته العسكرية الدامية ضد المدن والمخيمات بحجة مكافحة الإرهاب فيما تتردد أصوات إطلاق النار في أنحاء المدينة التي خلت شوارعها من الحركة، باستثناء العربات العسكرية الصهيونية، وتحليق الطائرات المسيّرة في أجوائها.
أسباب وهمية وأهداف خفية:
إن ما خفي أعظم من وراء هذه العملية العسكرية في شمال الضفة الغربية التي تسعى أهدافها لضم الضفة الغربية ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان وسرقة المياه، وبالتالي كان لابد من وجود عمل مقاوم يتصدى لكل هذه الأهداف الخبيثة في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة يقودها المستوطنين والمتدينين، وفي وجود بيئة جبلية وعرة لن تستطيع دولة الكيان من القضاء عليها مهما حاولت ومهما ابتكرت من أساليب، ولا أدل على ذلك من استمرار العمل المقاوم وعمليات الاقتحام للمواقع العسكرية والمستوطنات وعمليات الطعن والدهس المتكررة التي يقودها المقاومون من خلال عمليات مدروسة وعمليات فردية رغم الاجتياحات المتكررة والاغتيالات والمداهمات، والعوائق الكثيرة التي تحد من تطور العمل المقاوم في الضفة الغربية أحيانًا.
وتخوض المقاومة الفلسطينية بكافة أجنحتها العسكرية عمليات تصدي رائعة للقوات الصهيونية بكافة الأساليب، للذود عن مدنهم وقراهم التي لم تسلم يوما من اقتحامات الجيش والتدمير الممنهج لكافة مناحي الحياة فيها بهدف زعزعة استقراراها ودفع السكان إلى تركها وهجرها.